من السهل أن يتوه المرء في الجانب الداخلي من العاصفة التي اندلعت على خلفية المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس دونالد ترامب مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في يوليو الماضي، ذلك أن التحقيق الخاص بإمكانية عزل ترامب الذي يجريه مجلس النواب، سيستحوذ على كل المؤسسات الإعلامية في المستقبل المنظور، غير أن الغائب الأبرز في أغلب الحوار هو الأخذ في عين الاعتبار الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا، وكيف ستؤثر الفضيحة على المستقبل غير الأكيد للدولة والمنطقة.
عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق، كان لأوكرانيا مشهد سياسي غير مستقر، ولكنها كانت تميل عموماً نحو الغرب؛ إذ سعت وراء عملية عضوية في الاتحاد الأوروبي وأصبحت شريكاً متحمساً للناتو. وبحلول 2013، بلغ استياء الأوكرانيين من حكومة فيكتور يانوكوفيتش أوجه، وخُلع من خلال ما يسمى ثورة الميدان الأوروبي. ولاحقاً، دخلت أوكرانيا في مواجهة مع روسيا بسبب ظهور «المتمردين الانفصاليين» في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا. ولأن أوكرانيا كانت شريكاً فقط للناتو، وليست عضواً، لم يستدع الصدام بين روسيا وأوكرانيا تفعيل المادة 5 من ميثاق الحلف، التي يتعين بموجبها على أعضائه الدفاع المشترك. ولكن الناتو والولايات المتحدة شرعا في مدّ أوكرانيا بمساعدات اقتصادية وعسكرية، اقتصرت في البداية على معدات غير قاتلة في عهد أوباما، ولاحقاً شملت أسلحة قاتلة في عهد ترامب. وتلك المساعدات، وخاصة صواريخ «جافلن» المضادة للدبابات، هي التي يُتهم ترامب بتعليقها؛ قصد الضغط على الأوكرانيين للتحقيق مع نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن وابنه هانتر.
تسلسل الأحداث هذا مهم لأن أوكرانيا نفسها مهمة. أولاً، لأن أوكرانيا دولة كبيرة وفخورة بنفسها وذات تاريخ طويل من الاستقلال. فهي أكبر بلد من حيث الحجم يقع داخل أوروبا بالكامل، بـ42 مليون نسمة. ومع أنها كانت جزءاً من الإمبراطورية الروسية/السوفيتية لفترات متقطعة، فإنه كانت لها دائماً لغتها وثقافتها ونظرتها الخاصة بها.
اليوم، تُعد أوكرانيا واحداً من المصدّرين الأوائل للطعام والحديد. موقعها الجغرافي على البحر الأسود الغني بالمحروقات مهم أيضاً. وكل هذا، إلى جانب قدرتها الصناعية، يجعل من أوكرانيا الدولةَ ذات الإمكانيات الأكبر في جزء بطيء النشاط عموماً من أوروبا.
ثانياً، أوكرانيا تقع بين الشرق والغرب. ومثلما أخبرني قائد الدفاع الأوكراني وقتئذ الجنرال ريهوري بيدشينكو، فإن «أوكرانيا لا تسعى إلى أن تكون موالية للغرب أو موالية لروسيا، بل نريد أن نكون موالين لأوكرانيا». وهدف أميركا ينبغي أن يكون ذلك بالضبط: أي منح الأوكرانيين الفضاء الجيوسياسي لاتخاذ قرارتهم الخاصة بهم، بخصوص إلى أي جهة ينحازون.
وأخيراً، سيكون خطأ فادحاً من الناحية الجيوسياسية، أن يتخلى الغرب عن أوكرانيا بسبب الإحباط من عملية عزل ترامب. ولهذا، ينبغي أن نواصل توفير المساعدة الاقتصادية، وتشجيع الاتحاد الأوروبي على منح أوكرانيا العضوية، وتحسين شراكة قوية بين أوكرانيا و«الناتو»، في التمرينات والعمليات. وإذا كانت عضوية الحلف غير متوقعة في المستقبل المنظور، فإن مثل هذه التمرينات والتعاون مهمان جداً بالنسبة لكلا الجانبين.
لكل هذه الأسباب، يمكن القول إن الأحداث في أوكرانيا ستمتد لتتجاوز حدود أوروبا. ولا شك أن قرار ترامب تعليق المساعدات لأوكرانيا، لأي سبب كان، هو خطوة خاطئة، لأنه يُضعف الثقة في ضمانات أميركا والغرب لكل حلفائهما وشركائهما وأصدقائهما. ولهذا، فإن مكالمة ترامب الهاتفية مع زيلينسكي لم تكن سياسة داخلية سيئة فقط، وإنما خطوة جيوسياسية فظيعة أيضاً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
عقب استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق، كان لأوكرانيا مشهد سياسي غير مستقر، ولكنها كانت تميل عموماً نحو الغرب؛ إذ سعت وراء عملية عضوية في الاتحاد الأوروبي وأصبحت شريكاً متحمساً للناتو. وبحلول 2013، بلغ استياء الأوكرانيين من حكومة فيكتور يانوكوفيتش أوجه، وخُلع من خلال ما يسمى ثورة الميدان الأوروبي. ولاحقاً، دخلت أوكرانيا في مواجهة مع روسيا بسبب ظهور «المتمردين الانفصاليين» في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا. ولأن أوكرانيا كانت شريكاً فقط للناتو، وليست عضواً، لم يستدع الصدام بين روسيا وأوكرانيا تفعيل المادة 5 من ميثاق الحلف، التي يتعين بموجبها على أعضائه الدفاع المشترك. ولكن الناتو والولايات المتحدة شرعا في مدّ أوكرانيا بمساعدات اقتصادية وعسكرية، اقتصرت في البداية على معدات غير قاتلة في عهد أوباما، ولاحقاً شملت أسلحة قاتلة في عهد ترامب. وتلك المساعدات، وخاصة صواريخ «جافلن» المضادة للدبابات، هي التي يُتهم ترامب بتعليقها؛ قصد الضغط على الأوكرانيين للتحقيق مع نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن وابنه هانتر.
تسلسل الأحداث هذا مهم لأن أوكرانيا نفسها مهمة. أولاً، لأن أوكرانيا دولة كبيرة وفخورة بنفسها وذات تاريخ طويل من الاستقلال. فهي أكبر بلد من حيث الحجم يقع داخل أوروبا بالكامل، بـ42 مليون نسمة. ومع أنها كانت جزءاً من الإمبراطورية الروسية/السوفيتية لفترات متقطعة، فإنه كانت لها دائماً لغتها وثقافتها ونظرتها الخاصة بها.
اليوم، تُعد أوكرانيا واحداً من المصدّرين الأوائل للطعام والحديد. موقعها الجغرافي على البحر الأسود الغني بالمحروقات مهم أيضاً. وكل هذا، إلى جانب قدرتها الصناعية، يجعل من أوكرانيا الدولةَ ذات الإمكانيات الأكبر في جزء بطيء النشاط عموماً من أوروبا.
ثانياً، أوكرانيا تقع بين الشرق والغرب. ومثلما أخبرني قائد الدفاع الأوكراني وقتئذ الجنرال ريهوري بيدشينكو، فإن «أوكرانيا لا تسعى إلى أن تكون موالية للغرب أو موالية لروسيا، بل نريد أن نكون موالين لأوكرانيا». وهدف أميركا ينبغي أن يكون ذلك بالضبط: أي منح الأوكرانيين الفضاء الجيوسياسي لاتخاذ قرارتهم الخاصة بهم، بخصوص إلى أي جهة ينحازون.
وأخيراً، سيكون خطأ فادحاً من الناحية الجيوسياسية، أن يتخلى الغرب عن أوكرانيا بسبب الإحباط من عملية عزل ترامب. ولهذا، ينبغي أن نواصل توفير المساعدة الاقتصادية، وتشجيع الاتحاد الأوروبي على منح أوكرانيا العضوية، وتحسين شراكة قوية بين أوكرانيا و«الناتو»، في التمرينات والعمليات. وإذا كانت عضوية الحلف غير متوقعة في المستقبل المنظور، فإن مثل هذه التمرينات والتعاون مهمان جداً بالنسبة لكلا الجانبين.
لكل هذه الأسباب، يمكن القول إن الأحداث في أوكرانيا ستمتد لتتجاوز حدود أوروبا. ولا شك أن قرار ترامب تعليق المساعدات لأوكرانيا، لأي سبب كان، هو خطوة خاطئة، لأنه يُضعف الثقة في ضمانات أميركا والغرب لكل حلفائهما وشركائهما وأصدقائهما. ولهذا، فإن مكالمة ترامب الهاتفية مع زيلينسكي لم تكن سياسة داخلية سيئة فقط، وإنما خطوة جيوسياسية فظيعة أيضاً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»